كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} يعني: كان هو سادسهم، لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم.
{وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} يعني: عالم بهم وبأحوالهم {أَيْنَمَا كَانُواْ} في الأرض.
{ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ} يعني: يخبرهم بما عملوا يوم القيامة من خير أو شر.
وذلك أن نفرًا كانوا يتناجون عند الكعبة قال بعضهم لبعض: لا ترفعوا أصواتكم حتى لا يسمع رب محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقال إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين، فامتنعوا من ذلك ثم عادوا إلى النجوى.
{يَوْمَ القيامة إِنَّ الله بِكُلّ شيء عَلِيمٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى} يعني: عن قول السر فيما بينهم، {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ويتناجون بالإثم} يعني: بالكذب {والعدوان} يعني: بالجَوْرِ والظلم، {أَلَمْ تَرَ} يعني: خلاف أمر الله وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
قرأ حمزة {وينتجون}، والباقون {عَنْهُ ويتناجون} وهما لغتان، يقال: تناجى القوم وانتجوا.
ثم قال: {وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ} يعني: إذا جاءك اليهود حيوك {بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ الله}، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: السام عليكم.
فيقول: «وعليكم».
فقالت عائشة رضي الله عنها وعليكم السام، لَعَنَكُم الله وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بالرِّفْقِ. وَإيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ. قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أَوَ لَمْ تَسْمَعِي ما رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ؟ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ».
فقالت اليهود فيما بينهم: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول، لاستجيب دعاؤه علينا حيث قال: عليكم، فنزل {وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ} يعني: سلموا عليك بما لم يُحَيِّكَ به الله يعني: بما لم يأمرك به الله أن تحيي به، ويقال: بما لم يسلم عليك به الله.
{وَيَقولونَ في أَنفُسِهِمْ} يعني: فيما بينهم.
{لَوْلاَ يُعَذّبُنَا الله} يعني: هلا يعذبنا الله {بِمَا نَقول} لنبيه، يقول الله تعالى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} يعني: مصيرهم إلى جهنم، {يَصْلَوْنَهَا} يعني: يدخلونها، {فَبِئْسَ المصير} ما صاروا إليه.
قوله تعالى: {المصير يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} قال مقاتل: {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} باللسان دون القلب {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} فيما بينكم، {فَلاَ تتناجوا بالإثم والعدوان}؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية، كان المنافقون يتناجون فيما بينهم ليحزنوا المؤمنين.
وهذا الخطاب للمخلصين في قول بعضهم، لأن الله تعالى أمرهم أن لا يتناجوا بالإثم والعدوان، كفعل المنافقين يعني: بالعداوة والظلم {أَلَمْ تَرَ} يعني: خلاف أمر الرسول أي: لا تخالفوا أمره {وتناجوا بالبر والتقوى} يعني: بالذي أمركم الله تعالى به، بالطاعة والتقى يعني: ترك المعصية.
ثم خوفهم فقال: {واتقوا الله} يعني: اخشوا الله، فلا تتناجوا بمثل ما تتناجى اليهود والمنافقون.
{الذى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم.
ثم قال عز وجل: {إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان} يعني: نجوى المنافقين من تزيين الشيطان.
قال قتادة: إذا رأى المسلمون المنافقين جاؤوا متناجين، فشق عليهم، فنزل {إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان} يعني: نجوى المنافقين في المعصية من الشيطان.
{لِيَحْزُنَ الذين ءامَنُواْ}؛ قرأ نافع {لِيَحْزُنَ الذين ءامَنُواْ} بضم الياء، والباقون بالنصب، ومعناهما واحد.
ثم قال: {وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئًا} يعني: ليس نجوى المنافقين يضر شيئًا للمؤمنين، أي: لا يضرهم {إِلاَّ بِإِذْنِ الله}، إلا أن يشاء.
الله ثم أمر المؤمنين بأن يتوكلوا على الله، وهو قوله تعالى: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون}.
ثم قال عز وجل: {المؤمنون يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ في المجالس}.
قرأ عاصم {في المجالس} بلفظ الجمع، والباقون {في المجالس} يعني: في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم.
نزلت في ثابت بن قيس، وكان في أذنيه شيء من الثقل، فحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذوا مجالسهم، فبقي قائمًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ الله مَنْ وَسَّعَ لأَخِيهِ» فنزلت الآية.
وروى معمر، عن قتادة أنه قال: كان الناس يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لهم: إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس، {فافسحوا} يعني: وسعوا المجلس.
{يَفْسَحِ الله لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ} يعني: إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا.
وروى معمر، عن الحسن قال: هذا في الغزاة؛ وقال مجاهد: {تَفَسَّحُواْ في المجالس} يعني: مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة {وَإِذَا قِيلَ انشزوا} إلى كل خير وقتال عدو وأمر بالمعروف.
وروي عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ، ولكن تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا».
قرأ نافع وابن عامر وعاصم في إحدى الروايتين {انشزوا} بالضم للشين، والباقون بالكسر وهما لغتان.
يقال: نشز ينشز يعني: إذ قيل لكم انهضوا يعني: قوموا لا تتثاقلوا، ويقال: {انشزوا} يعني: قوموا للصلاة وقضاء حق أو شهادة فانشزوا يعني: انهضوا.
ثم قال: {يَرْفَعِ الله الذين ءامَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم درجات} يعني: من كان له إيمان وعلم، وكان له فضائل على الذين يقومون وليس بعالم.
قال الضحاك: {يَرْفَعِ الله الذين ءامَنُواْ مِنكُمْ} وقد تم الكلام.
ثم قال: {والذين أُوتُواْ العلم درجات} يعني: لأهل العلم درجات، أي: الذين أوتوا العلم في الدنيا ولهم درجات في العقبى.
قال: وللعلماء مثل درجة الشهداء، وقال مقاتل: إذا انتهى المؤمن إلى باب الجنة، يقال للمؤمن الذي ليس بعالم: ادخل الجنة بعملك، ويقال للعالم: أقم على باب الجنة واشفع للناس.
وقال ابن مسعود: {يَرْفَعِ الله الذين ءامَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم} على الذين آمنوا منكم ولم يؤتوا العلم درجات.
ثم قال: {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} من التفسح في المجلس وغيره.
قوله تعالى: {خَبِيرٌ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا ناجيتم الرسول} يعني: إذا كلمتم الرسول سرًا، {فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صَدَقَةً} يعني: تصدقوا قبل كلامكم بصدقة.
{ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ} يعني: التصدق خير لكم من إمساكه، {وَأَطْهَرُ} لقلوبكم وأزكى من المعصية.
{فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ} ما تتصدقون، {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لِمَنْ لم يجد الصدقة.
وذلك أن الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يمكنوا الفقراء من سماع كلامه، وكان يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم، فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند المناجاة، فانتهوا عن ذلك، فقدرت الفقراء على سماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومجالسته.
وقال مجاهد: نُهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إِلاَّ عَليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه قدم دينارًا تصدق به وكلم النبي صلى الله عليه وسلم في عشر كلمات، ثم أنزلت الرخصة بالآية التي بعدها وهو قوله: {ءَأَشْفَقْتُمْ} يعني: أبخلتم يا أهل الميسرة {أَءشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صدقات}؟ فلو فعلتم كان خيرًا لكم، {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} وتكرهوا ذلك، فإن الله تعالى غني عن صدقاتكم.
{وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} يعني: تجاوز عنكم.
{أَءشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ}، فَنَسَخَت الزكاةُ الصدقة التي عند المناجاة.
{وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فيما يأمركم به وينهاكم عنه.
{والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الخير والشر والتصدق والنجوى.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِم} يعني: المنافقين اتخذوا اليهود أولياء وتولَّوهم وناصحوهم، وهم اليهود، وغضب الله عليهم ثم قال: {مَّا هُم مّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ} يعني: ليسوا منكم في الحقيقة ولا من اليهود في العلانية، وهذا كقوله: لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
وكانوا إذا سألهم المسلمون: إنكم تتولون اليهود، كانوا يحلفون بالله إنهم من المؤمنين، كما قال الله تعالى في آية أخرى: {يَحْلِفُونَ بالله أَنَّهُمْ مِنكُمْ وَمَا هُم مّنكُمْ} فأخبر الله تعالى إنهم لكاذبون في أيمانهم، فقال: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ} يعني: يحلفون أنهم مصدقون في السر وهم يعلمون أنهم مكذبون.
{أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} في الآخرة.
{إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني: بئس ما كانوا يعملون بولايتهم اليهود وكذبهم وحلفهم، ثم قال عز وجل: {اتخذوا أيمانهم جُنَّةً} يعني: جعلوا حلفهم بدلًا عن القتل، ليأمنوا بها عن القتل والسبي؛ {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} يعني: صَدُّوا وصرفوا الناس عن دين الله تعالى في السر.
{فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون فيه.
قوله تعالى: {لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله شَيْئًا} يعني: لم تنفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئًا.
{أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} يعني: دائمين.
ثم قال عز وجل: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا} يعني: المنافقين واليهود، {فَيَحْلِفُونَ لَهُ} يعني: يحلفون لله تعالى في الآخرة، {كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} في الدنيا؛ وحَلفهم في الآخرة ما قال الله تعالى في سورة الأنعام {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قالواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، وروى معمر، عن قتادة قال: المنافق يحلف لله تعالى يوم القيامة، كما كان حلف لأوليائه في الدنيا.
ثم قال: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْء} يعني: يحسبون أن يمينهم تنفعهم شيئًا، {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} في قولهم، ويقال: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْء} من الدين، ويقال: {وَيَحْسَبُونَ} يعني: يحسب المؤمنون أنهم على شيء، يعني: إن المنافقين على شيء من الدين، يعني: إذا سمعوا حلفهم.
قال الله تعالى: {من الدين} يعني: إذا سمعوا حلفهم، قال الله تعالى: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} في حلفهم وهم كافرون في السر.
ثم قال: {استحوذ} يعني: غلب {عَلَيْهِمُ الشيطان}، ويقال: استولى عليهم الشيطان.
{أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشيطان} يعني: جند الشيطان {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشيطان هُمُ الخاسرون} يعني: خسروا أنفسهم وأموالهم في الآخرة.
قوله عز وجل: {إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ} يعني: يعادون الله ويخالفون الله ورسوله {أُوْلَئِكَ في الاذلين} يعني: في الأسفلين في الدرك الأسفل من النار، وهم المنافقون ويقال: {أُوْلَئِكَ في الاذلين} يعني: في الهالكين.
قوله تعالى: {كتاب الله} يعني: قضى الله {لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} يعني: لأغلبن في الدنيا بالحجة والدلائل في الآخرة، ويقال: {لاَغْلِبَنَّ} يعني: لأقهرن أنا ورسلي، فتكون العاقبة للمؤمنين.
{إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ}، ويقال: {كتاب الله} يعني: قضى الله ذلك قضاء ثابتًا {لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى}، وغلبة الرسل تكون على نوعين: من بعث منهم في الحرب، فغلب في الحرب ومن بعث منهم بغير حرب فهو غالب بالحجة {إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ} أي: مانع حزبه من أن يذل والعزيز الذي لا يغلب ولا يقهر.